الكتابُ الأبيض: حلُّ الخروج المشترك من الأزمة الفلسطينيَّة

بقلم: ج. مانويل غونزاليس. لا يُعتبر السيد/غونزاليس خبيراً في شؤون الشرق الأوسط، لكنه يقدّم خبرات بديلة يفتقر إليها الخبراء التقليديون: فهم اقتصاديات التنمية، التمويل الدولي، وإبرام الصفقات الإبداعية. للاطّلاع على بياناته المهنية، راجع السيرة المهنية للسيد غونزاليس.

مجموعة كاملة من مقاطع فيديو YouTube الموازية لهذا الكتاب الأبيض

الفيديوهات العربية

Video 1 thumbnail

مقطع الفيديو (1): سجناءٌ داخل خبرتهم الخاصة

548,427 مشاهدة في 15 شهرًا
Video 2 thumbnail

مقطع الفيديو (2): ليستا دولتين متجاورتين، بل دولتين متباعدتين!

298,269 مشاهدة في 15 شهرًا
Video 3 thumbnail

مقطع الفيديو (3): إن بنينا فلسطين الجديدة، فسيقدمون إليها

654,472 مشاهدة في 15 شهرًا
Video 4 thumbnail

مقطع الفيديو (4): الخلاصة والاعتراضات والتفنيدات

538,087 مشاهدة في 15 شهرًا

الفيديوهات الإنجليزية

Video 1 thumbnail

Video 1: Prisoners Inside Their Own Experience

222,414 views in 18 months
Video 2 thumbnail

Video 2: Not Two-States-Side-by-Side, but Two States Far Apart!

197,887 views in 18 months
Video 3 thumbnail

Video 3: If We Build New Palestine, They Will Come

226,736 views in 18 months
Video 4 thumbnail

Video 4: Recapitulation, Objections, And Rebuttals

219,045 views in 18 months

الجزء (1) من (4): حلُّ الخروج المشترك من الأزمة الفلسطينيَّة: سجناءٌ داخل خبرتهم الخاصة

نظرًا لما تشهده فلسطين من اضطراباتٍ مستمرة، تكاد تُجمع كل دول العالم حاليًا على دعم <<حل الدولتين المتجاورتين>>.

لقد جانبهم الصوابُ جميعًا في ذلك.

إن «رجال الدولة»، بتوصيات ومشورة من «الخبراء»، هم من أطلقوا شرارة الأزمة الفلسطينية منذ أكثر من مائة عام. وعلى مدى 75 عاما، حاول «رجال الدولة» و«الخبراء» حل هذه الأزمة، ولم يُجنى من مساعيهم إلا الفشل الذريع. ويمكننا أن نلخص مُختلف أسباب هذا الفشل في فكرةٍ واحدة، وهي أن كل طرفٍ من طرفي هذه الأزمة لم يُثمن مدى جاذبية الصفقات بحجم ما تعود به من فوائدٍ على كل طرف، وإنما بمدى الإيلام والمشقة التي اسطاع أن يفرضها على الطرف الآخر. إذ يرون الموقف الفلسطيني كما لو كان صراعًا صفريا بين غالبٍ ومغلوب.

والآن قد حان الوقت لإعطاء فرصة لرأي خارجي مستقل عن الأزمة، ليطرح الحل الواضح للخروج المشترك دون غالبٍ ومغلوب، والذي يبدو أنه لم يأخذه الخبراء بعين الاعتبار.

ولكن دعونا أولاً نستعرض لمحة تاريخية موجزة.

لمحة تاريخية موجزة

يمتد الاستيطان اليهودي للشعب اليهودي في فلسطين إلى ما قبل الميلاد ١٢٠٠ عاماً. (الكلمة «فلسطين» مشتقة من كلمة «فلستاين» اليونانية، وهي تسمية لسان يونانيين لا علاقة لهم بالعرب الفلسطينيين المعاصرين.)

وبعد فشل الثورة على الإمبراطورية الرومانية، وإلى عام ١٠٠ بعد الميلاد تقريباً، هجر غالبية اليهود تلك المنطقة على نطاق واسع، لكنهم حافظوا على ثقافتهم في جالياتهم التي تناثرت على نطاق واسع.

وبحلول عام ١٥٠٠ تقريباً بعد الميلاد، خضعت فلسطين والمناطق المجاورة، التي يشغلها العرب الآن، للإمبراطورية العثمانية.

وخلال الحرب العالمية الأولى، دعم الفلسطينيون البريطانيين ضد العثمانيين، وبالتحديد وعد البريطانيون الفلسطينيين بالاستقلال. ولم يكن في نية البريطانيين أبداً الوفاء بهذا الوعد.

وفي نهاية المطاف بعد الحرب العالمية الأولى عام ١٩٢٢، بدأوا مشروعاً طويل الأمد لجلب المهاجرين اليهود وإنشاء دولة يهودية منفصلة على أرض فلسطين.

وفي نفس الوقت تقريباً من عام ١٩٢٢، كانت الحكومة البريطانية منهمكة أيضاً في التفكير في كيفية منح استقلال إيرلندا، مع اقتطاع ست مقاطعات مؤيدة للإنجليز للاحتفاظ بها تحت اسم إيرلندا الشمالية. وكانت تلك هي النسخة البريطانية من «حل الدولتين المتجاورتين». (الاسم الرسمي المرهوق هنا: المملكة المتحدة لبريطانيا العنمى وإيرلندا الشمالية.)

وقد أسفر ذلك الحل عن ٨٠ سنة من حرب العصابات والإعدامات الجماعية والاعتقالات الجماعية والتفجيرات الإرهابية والعداء السياسي المستمر التي نشهدها إلى يومنا هذا في إيرلندا – وهو ما يمثل دليلاً قاطعاً على الغباء المتقطع الذي كان مسؤولاً في بريطانيا عام ١٩٢٢، ومن اعتمد عليهم، من خبراء.

وقد نشأت حركة تهدف لإنشاء وطن لليهود في القرن التاسع عشر. وكانت يُطلق عليها اسم «الصهيونية». وقننت الحركة بدعم من الحكومات والشخصيات المؤثرة بأسباب متنوعة بكل ما يحمله من صدق بـ«يجب أن يكون لليهود وطن يلم شتاتهم»، وبكل ما يحمله من صدق بـ«اخلق للعرب شيئاً يثير مخاوفهم»، وبكل ما ينطوي عليه من رؤية استراتيجية، وبكل ما يكتنفه من مكر وخداع بـ«نحن أيضاً لا نرغب في وجودهم هنا، فادعونا نقلهم بعيداً لمكان ما».

وكان بوسع العرب أن يروا إلى أين يتجه هذا الأمر: تقطيع أوصال فلسطين. وعلى مدار ٣٠ عاماً بعد الحرب العالمية الأولى، شرع العالم بأكمله في مقاومة الحركة الصهيونية.

ولكن في عام ١٩٤٧ ومع شعور الذنب والأسى إزاء الإبادة اليهود (الهولوكوست)، التي شهدتها دول عديدة فجأة الأمر وقع! وولِدت دولة إسرائيل وأعطيت ما يقرب من نصف مساحة فلسطين.

لقد كان هذا ظلماً فادحاً للفلسطينيين – كما أثبتته السنوات الخمس والسبعون الماضية – وكان خطأً فادحاً من منظور السلام العالمي.

أما الحصة الفلسطينية المتبقية من أرض فلسطين، فقد قُسمت تقسيماً عشوائياً إلى أرباع وأنصاف متباعدة. ويُقترح، في يومنا هذا، وجود الفلسطينيين على تكدسهم في قطاع غزة (ومساحته ٣٦٥ كيلومتراً مربعاً) الذي تديره حماس، وهي منظمة إرهابية تدعمها إيران؛ وفي الضفة الغربية المفككة (ومساحتها ٥,٨٠٠ كيلومتر مربع) التي تديرها في فعلياً إسرائيل.

وتمتلك إسرائيل الآن ٢٢ ألف كيلومتر مربع بخلاف الضفة الغربية، فضلاً عن مرتفعات الجولان التي استولت عليها خلال حرب الأيام الستة في عام ١٩٦٧ ولا تزال تحت احتلالها منذ ذلك الحين. (إجمالي مساحة فلسطين ٣٠ ألف كيلومتر مربع تقريباً أي ما يعادي مساحة تايوان.)

وفي انتهاك منها للقانون الدولي، شجعت إسرائيل الاستيطان في كلتا المنطقتين.

وفي ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، نفذت حماس غارة أسفرت عن ١٥٠٠ قتلى وبرئاء إسرائيليين أبرياء. لقد كان عملاً مفجعاً لا يمكن تبريره. لكن ما لا يمكن تبريره أيضاً هو تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم خلال الفترة ١٩٤٧ و ١٩٤٨، وكذلك الحرب التأديبية التي شنتها إسرائيل، والتي دمرت بالفعل أكثر من نصف قطاع غزة وقتلت أكثر من ٣٠ ألف شخص، من المدنيين.

لقد وقع الجميع في الخطأ.

ويبدو أن معنم زعماء العالم عاجزون عن التعلم من التاريخ، حيث يسعون للوصول إلى هدنة بشأن ما يُطلق عليه «حل الدولتين المتجاورتين»، وإنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين داخل حدود فلسطين، من خلال إقناع إسرائيل بالتنازل عن الأراضي التي تسيطر عليها حالياً بغرض إنشاء دولة معادية ذات سيادة بجوارها.

وترجمة ذلك: امنح الفلسطينيين وعداً كاذباً جديداً.

وما هذا الأمر إلا إعادة إنتاج للمخططات السلام السالفة، التي طالبت الجانبين بتقديم تنازلات كبيرة تتعارض مع مصلحتهما الذاتية. وقد وشهدنا وقف إطلاق النار مؤقتاً، ولكن الحرب حتماً لن تضع أوزارها إلا بعد أن يقضي أحد الطرفين على الآخر عشوائياً.

ولم يكن في نية الإسرائيليين المفاوضة بشأن الرهائن أو لتهدئة الرأي العام العالمي، بل لحل «الدولتين المتجاورتين»، على النحو الذي يراه زعماء العالم حالياً.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فلا يوجد جزء معقول من فلسطين يستطيع أن يكفل لهم اقتصاداً ذاتي الاستدامة. لقد صدق ذلك الوصف في عام ١٩٤٧ وبات اليوم أشد صدقاً وصدقاً. وكان الاقتصاد الفلسطيني، قبل هجوم حماس، يُشتق في الأساس من المنح الأجنبية. فليست لفلسطين أي موارد معدنية. ولا تمطر الأمطار على الضفة الغربية فعلياً، ولا توجد وسيلة لاجتياز مياه الأمطار التي تهطل على غزة من شدة التدهور والتلوث الذي تعاني في مياهها الجوفية الساحلية، وهو ما بدوره لا يستبعد أي آفاق للزراعة.

(فعلى الرغم مما تتغنى به إسرائيل من جهودها من أجل ازدهار الصحراء، إلا أنها لا تحقق من الزراعة سوى ١٪ فحسب من ناتجها المحلي الإجمالي.)

فإن قسماً كبيراً من سكان دولة «فلسطين» المتصورة ذات السيادة، سينتهي بهم المطاف إما بالبطالة أو الاشتغال بعمالة وضيعة في إسرائيل المجاورة.

وستكون الدولة «مستقلة» لكنها تعتمد اعتماداً أساسياً على المساعدات الخارجية المستمرة وعلاقة دونية مع إسرائيل. وإن غاب احترام الذات، فما السيادة والخدعة؟

وكما ينبغي أيضاً أن يكون واضحاً مع سقوط نحو ٣٠ ألف قتيل فلسطيني وإصابة نحو ٦٠ ألف آخرين بجروح أو إصابات، خلال الرد العسكري الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر، وتتسع رقعة الكراهية الإسرائيلية إلى مستويات دائمة وأوسع.

فهل يغيب عن إسرائيل ذلك؟ ولماذا إذن نجد العديد من زعماء العالم وهم يحثون إسرائيل على قبول «حل» يتلخص في إعادة إنتاج للجولة التالية من المجازر؟

لا وجود ثمة سلام طويل يمكن إرساؤه على المدى الطويل في ظل تلك النماذج القائمة. وقد شهدنا وقف إطلاق النار مؤقتاً، ولكن الحرب حتماً لن تضع أوزارها إلا بعد أن يقضي أحد الطرفين على الآخر عشوائياً.

وقد توقفت إسرائيل عن التفاوض بشأن الرهائن أو لتهدئة الرأي العام العالمي، بل لحل «الدولتين المتجاورتين» على النحو الذي يراه زعماء العالم حالياً.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فلا يوجد جزء معقول من فلسطين يستطيع أن يكفل لهم اقتصاداً ذاتي الاستدامة.

لقد صدق ذلك الوصف في عام ١٩٤٧ وبات اليوم أشد صدقاً وصدقاً. فليست لفلسطين أي موارد معدنية. ولا تمطر الأمطار على الضفة الغربية فعلياً، ولا توجد وسيلة لاجتياز مياه الأمطار التي تهطل على غزة من شدة التدهور والتلوث الذي تعاني في مياهها الجوفية الساحلية، وهو ما بدوره لا يستبعد أي آفاق للزراعة.

فإن قسماً كبيراً من سكان دولة «فلسطين» المتصورة ذات السيادة، سينتهي بهم المطاف إما بالبطالة أو الاشتغال بعمالة وضيعة في إسرائيل المجاورة. وستكون الدولة «مستقلة» لكنها تعتمد اعتماداً أساسياً على المساعدات الخارجية المستمرة وعلاقة دونية مع إسرائيل.

وإن غاب احترام الذات، فما السيادة والخدعة؟

فعلى الطرف الرشيد في هذا، وعلى الرغم مما ينطوي عليه ذلك من ظلم وإجحاف، فإن عبء الرحيل يقع على عاتق الفلسطينيين باعتبارهم الطرف الرشيد في هذا الصراع.

ولا يُعد هذا إقراراً بتطور عرقي (كما فعل ذلك الذي كان مسؤولاً في بريطانيا عام ١٩٢٢ والمسمى جيرارد كوشين – والذي تحول ليصبح الشخص المناسب ليُملي على المسلمين ما يتعين عليهم فعله دون أن يدرك أحد في واشنطن هذا الأمر؟)، وإنما سيحدث بعوض وأموال حقيقية تخرج من جيوب الأشقاء العرب بأنفسهم، دون جيرارد كوشين ومن حل محله في واشنطن ومن خبراء.

ويبدو أن هذا الأمر قد غاب عن الجميع، فإن شبه جزيرة سيناء (في مصر) يمكن أن تكون موقعاً لفلسطين الجديدة، فهي ملاصقة لإسرائيل. ولكن الموقع الأكبر منطقية هو جنوب غرب سيناء، والذي يفصله عن إسرائيل ومصر خليج العقبة، وهي منطقة خالية فارغة، فضلاً عن الجوار.

وهي منطقة لا تعود على مصر – كدولة – بالكثير من النفع. فهل دول السياحة الطور، وهو منطقة ساحلية وجبلية والمساحة المسطحة، ولا يتجاوز قاطنوها ٣٠ ألف نسمة فحسب؟

الجزء (2) من (4): ليستا دولتين متجاورتين، بل دولتين متباعدتين!

لن ينجح حل قائم على وجود دولتين متجاورتين للشعب اليهودي. فمن الناحية الطبوغرافية أو بسمات تضاريسها، لا تنشر فلسطين بأي يسر، على مستوى التقسيم السياسي.

فإن «رجال الدولة»، بتوصيات ومشورة من «الخبراء»، هم من أطلقوا شرارة الأزمة الفلسطينية منذ ١١٠ عاماً. وعلى مدى ٧٥ سنة، حاول رجال الدولة وخبراؤهم حل هذه الأزمة، ولم يُجنَ من مساعيهم إلا الفشل الذريع.

وراء ذلك الفشل: نظرتهم إلى فلسطين باعتبارها صراعاً صفرياً بين غالب ومغلوب، سجناء يقيدهم هذه المطاف بهم في الآن نهاية المطاف.

إن الأزمة التي استمرت ٧٥ سنة قد بددت بشكل قاطع أي وجاهة للأمل في أن يتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون من تقاسم الأراضي في قلب العالم العربي، نظراً للخطأ الفادح المرتكب في عامي ١٩٤٧ و ١٩٤٨ من تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم عام برضا وسعادة المتجاورة.

ومع ذلك، فإن هذا هو «الحل» الذي تطرحه دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وألمانيا والصين وروسيا وسنغافورة والأرجنتين والمكسيك ومعنم الدول العربية والهند وباكستان وبنغلاديش ونيجيريا وإندونيسيا وأستراليا – بل «الحل» الذي ستتبناه تقريباً كل دولة على وجه الأرض مهما كانت أيديولوجيتها أو قناعاتها السياسية. فالجميع يغضون طرفهم عن رؤية الحقيقة الجلية.

والآن قد حان الوقت لإعطاء فرصة لرأي خارجي مستقل عن الأزمة، ليطرح الحل الواضح للخروج المشترك دون غالب ومغلوب.

إن الحل الواضح للخروج المشترك دون غالب ومغلوب لا يتمثل في حل الدولتين المتجاورتين. بل دولتان متباعدتان.

دولتان اثنتان لكنهما متباعدتان إحداهما عن الآخرى.

وهو الحل الوحيد المتاح في الوقت الحالي. وهو ليس الحل الأمثل من الناحية الأخلاقية، ولكنه الحل الوحيد المتاح في الوقت الحالي حيث لا يتعين على أحد الطرفين.

لقد عاش الفلسطينيون على أرض فلسطين لمدة ٢٠٠٠ عام، ولهم أحقية أفضل مما للشعب اليهودي في فلسطين، رغم أي شيء سريع مطالبة بعام ١٩٤٧ و ١٩٤٨ سقطت بالتقادم بعد مرور ألفي عام كاملة.

ولكن الواقع يُخبرنا أن الإسرائيليين لن يرحلوا، أولاً وليس للعالم أي حافز لإقناعهم بالرحيل.

ولذلك، ورغم ما ينطوي عليه ذلك من ظلم وإجحاف، فإن عبء الرحيل يقع على عاتق الفلسطينيين في هذا الصراع.

ويمكن أن يستقي الناس من كيسينجر وكوشر ومن غيرهم، على عكس خطط السلام السالفة، فإن خطة حل الدولتين المتباعدتين لا تتطلب من الأطراف – بالتبديل – تقديم تنازلات كبيرة ضد مصالحهم الذاتية، ولكنها على العكس من خطط السلام السالفة، تعزز من الفائدة المتحققة للجميع، مع الحد من التكاليف إلى أجانب يتصورها كل طرف على حدة، أو على الأقل التنازلات التي يتصورها كل طرف على حدة.

فعلى عكس ما يننيه بعض المنظرين، لا يتمثل «فن إبرام الصفقات» في انتزاع أقصى قدر من التنازلات من الطرف الآخر. وإنما يستشل من خلال تحديد الفوائد والمنافع التي تنال أكبراً من التقدير من جانبك، وكذلك من خلال العثور على وسيلة تحقيق تلك الأهداف عبر التنازلات التي يُعطيها الجانب الآخر أقل قدراً من الأهمية.

حدود آمنة لا يمكن الإنفاق تحتها؟ فما الذي تعتقد إسرائيل أنها في حاجة إليه، في هذه المرة؟ ومن المؤكد أن ما تريده ليس «دولة مستقلة بجوار إسرائيل بحيث تستمر الحرب».

بل يريد الإنسان الفلسطيني العادي القاعد في غزة أو الضفة الغربية بالطبع ما يريده معنمنا: الأمان والرفاهية المادية والأمل المستقبل – وقد تفضوا مُقدماً ومضوا.

ما الذي تريده الدول العربية الغنية بالنفط؟ السلام، بما يحمي مصالحهم الاقتصادية. تعزيز الهيبة والمكانة والتأثير على الساحة العالمية. عرقلة طموحات إيران العالمية.

وفي نفس الوقت، تمتلك هذه الدول ثروة متكدسة تبلغ ٤ تريليونات دولار أمريكي، وتتبدد حسرها الواضح على إنفاق أموالها بما يحقق أهدافها على المدى الطويل.

ما الذي تحتاجه الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى؟ إلى حل ناجز وشي طويل الأمد، يتعاملوا مع التأييد الواسع للفلسطينيين بين ناخبيهم. ويجب أن يُنظر إليهم بأنهم يقفون إلى جانب إسرائيل باعتبارهم يحققون نتائج إيجابية للفلسطينيين أيضاً.

لكنهم الآن حتى لا يراقصون على درجات السلم. ومن شأن هذا الفشل أن يهدد الأغلبية أو الائتلافات الحاكمة الحالية، وسيعني الكرسي الانعزاليين من خلال انقسام اليسار والوسط. وهذا بدوره من شأنه أن يعرض أوكرانيا وتايوان والعالم الحر في نهاية المطاف للخطر.

فهل تُحقق صفقة رابحة للأطراف الأربعة جميعاً؟

إن الحل الواضح للخروج المشترك دون غالب ومغلوب ليس في حل الدولتين المتجاورتين، بل في حل الدولتين المتباعدتين.

وها هي الصفقة: تنشئ (ولنقل) الدول العربية الغنية بالنفط صندوقاً بقيمة ٢٠٠ مليار دولار أمريكي للاستحواذ على الأراضي وتطويرها وتنميتها.

قد يبدو هذا مبلغاً مهولاً بالنسبة للشخص العادي، ولكنه ليس كبيراً بالنسبة لدول تمتلك ٤ تريليونات دولار.

تُشترى مساحة ١٠ آلاف كيلومتر مربع (بما يعادي تقريباً غزة والضفة الغربية مجتمعتين) في مكان ما بعيد عن إسرائيل لإقامة دولة فلسطين الجديدة ذات السيادة.

يمكن للمملكة العربية السعودية ببساطة أن تتبرع بجزء من ساحلها على البحر الأحمر، لدوافع إنسانية. أما الأماكن الأخرى فهي فعلياً جنوب غرب سيناء في مصر، وهي منطقة تعزلها الجوار للاستحواذ مقابل مبالغ نقدية.

أما السيناريو الآخر فهو المنطقة الجافة في شمال شرق الأردن، التي لم تُستخدم الآن منذ عام ١٩٢٢ نادراً واستحوذت عليها المملكة الأردنية الهاشمية بالمجان.

وثمة ست دول أخرى في شمال إفريقيا قد تتوافر لديها قطع أراضٍ وقد تفكر في مقايضتها مقابل الأموال.

ومع وجود تسعة مصادر محتملة للمواقع والحاجة إلى موقع واحد فقط، فمن المحتمل أن تتقدم دولة واحدة لأداء دور التطولة في هذا الحدث.

كما أن رجال الأعمال والممولين ليست لديهم رغبة في الاستثمار في مناطق الصراع والحروب. ولكن بمجرد طرح فكرة إقامة فلسطين الجديدة في مكان آخر، فسيتدفق الدعم من بقية دول العالم.

ونشد فيما يلي بعض الاعتراضات المرتبطة بحل الدولتين المتباعدتين:

١. مهما كانت المشاكل العملية المتوقع ظهورها في فلسطين الجديدة المُقامة في مكان آخر – أو ربما مشاكل أسوأ – فستنطبق على فلسطين المُعاد بناؤها وسط الأنقاض والدمار.

٢. لن يرغب بعض الفلسطينيين في الرحيل، تماماً كما يقاوم بعض الناس دعوات الابتعاد عن مسار العاصفة. ولكن لا بأس في ذلك.

٣. لن سنحظ أن الحصول على موافقة الأغلبية الفلسطينية ليس شرطاً مطلوباً، كمثل لم يكن من الضروري أن تنتقل أغلبية يهود العالم إلى إسرائيل في عام ١٩٤٨، حتى ولا أن يتم استشارتهم. لقد كانت إسرائيل نموذجاً لشعار: «إن بنيناها، فسوف يقدمون إليها»، وكذلك ستكون فلسطين الجديدة. فتتوضع الآلاف الكافية واكتفاء ذاتي سياسياً واقتصادياً.

فأيسلندا تتمتع باقتصادها ذاتي بمعقول وعدد سكانها لا يتجاوز ٣٥٠ ألف نسمة. وقد أعلنت إسرائيل استقلالها عام ١٩٤٨ وكان عدد سكانها اليهود ٨٥٠ ألف نسمة فقط.

واليوم قد يكون لدينا عدد كافٍ من الفلسطينيين الذين سئموا الحرب والصراع واستعداد على لتجربة بلد آخرى. وسيتبعهم المزيد في نهاية المطاف.

٤. لا يمكن لأي خطة سلام أن تأتي من الولايات المتحدة أو أي شخص آخر في الغرب وإلا فكبراء العرب ينفي ذلك.

٥. لذلك، فإن المبادرة بحل الدولتين المتباعدتين يجب أن ينبع من قلب العالم العربي نفسه.

ينبغي، من الناحية المثالية، ولدولة واحدة أن تتقدم وتأخذ بزمام مسؤولية هذه المهمة.

٦. لحسن الحظ، فإن الدول العربية الغنية بالنفط لديها مجتمعة ٤ تريليونات دولار من الثروة النفطية المتكدسة، وتتبدى رغبتها الراسخة في إنفاق بعض من هذه الثروة في سبيل بسط هيبتها وتعزيز نفوذها.

٧. ولدى العديد من البلدان العربية العرقية أراضٍ لا تستخدمها أو يمكنها الاستغناء عنها بسهولة بأي حال من الأحوال.

٨. ويمكن لهذه البلدان – بدرجات متفاوتة – أن تستفيد من بعض الماء. ولقد تعلمتُ من خبرتي المصرفية في بيع المشتقات المالية المخصصة أن: لا يوجد شيء أفضل من المنافسة الصحية الصغيرة والخوف من تفويت الفرصة لإثارة التابع العنيد في عقد الصفقات.

فدعونا نبرم صفقة. صفقة لا تقوم على التمنيات السياسية فحسب، بل أيضاً على الطبيعة البشرية والحقائق المالية والمصلحة الذاتية ومختلف فنون التفاوض والإقناع. وبشكل أكثر تحديداً، دعونا نفتح الباب لمزيد من نوع ما.

الجزء (3) من (4): إن بنينا فلسطين الجديدة، فسيقدمون إليها

فإن خطة حل الدولتين المتباعدتين، على عكس خطط السلام السالفة، لا تتطلب من مختلف الأطراف، من كيسينجر وكوشر وغيرهم – بالتبديل – تقديم تنازلات كبيرة ضد مصالحهم الذاتية، ولكنها – على العكس – تعزز من الفائدة المتحققة للجميع، مع الحد من التكاليف والتنازلات التي يتصورها كل طرف على حدة، أو على الأقل إلى جانب يتصورها كل طرف على حدة.

فعلى عكس ما يننيه بعض المنظرين، لا يتمثل «فن إبرام الصفقات» في انتزاع أقصى قدر من التنازلات من الطرف الآخر. وإنما يستشل من خلال تحديد الفوائد والمنافع التي تنال أكبراً من التقدير من جانبك، وكذلك من خلال العثور على وسيلة تحقيق تلك الأهداف عبر التنازلات التي يُعطيها الجانب الآخر أقل قدراً من الأهمية.

حدود آمنة لا يمكن الإنفاق تحتها؟

فما الذي تعتقد إسرائيل أنها في حاجة إليه، في هذه المرة؟ ومن المؤكد أن ما تريده ليس «دولة مستقلة بجوار إسرائيل بحيث تستمر الحرب».

بل يريد الإنسان الفلسطيني العادي القاعد في غزة أو الضفة الغربية بالطبع ما يريده معنمنا: الأمان والرفاهية المادية والأمل في المستقبل – وبعد الخروج من الفجوة.

ما الذي تريده الدول العربية الغنية بالنفط؟ السلام، بما يحمي مصالحهم الاقتصادية. تعزيز الهيبة والمكانة على المشهد العالمي. عرقلة طموحات إيران العالمية.

وأخيراً، ما الذي تحتاجه الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى؟ على الرغم من أن قطاعات كبيرة من ناخبيهم يتعاطفون مع الفلسطينيين في غزة ويعتقدون أن الحرب، إلا أن بلادهم تتحالف رسمياً مع إسرائيل، إن لم تكن إبادة جماعية، غير أخلاقية.

واستنتجوا جميعاً أنه على الرغم من تعقيد الأمر، ومن القرارات ذات الأثر المتباعد باتخاذ إجراءات حازمة وذات مغزى باعتبار أنهم في الواقع أبطالاً من بدلاً من أن يكونوا ضحايا لــ"العدوان الإسرائيلي والتدخل الأجنبي الفلسطيني."

هذه فرصة لكي يُظهروا للعالم أنهم يستطيعون أن يكونوا أبطالاً من بدلاً من أن يكونوا ضحايا.

إن ٢٠٠ مليار دولار زهيد، بل إنه أقل مما أنفقته قطر لاستضافة الألعاب الفيفا لعام ٢٠٢٢.

كما أن محاولات التخفيف من محنة الفلسطينيين والحرب المستمرة كان من الأفضل كثيراً بالتكلفة إنفاقها على بناء فلسطين الجديدة في مكان آخر.

وأخيراً، إذا لم تنفق الدول العربية البرية هذه الأموال الآن، فستتكبد المزيد لاحقاً بسبب تزايد نفوذ إيران. والأكثر والأكثر سيتكلف العالم ذلك بشأنه إذا أصبح التطرف على النمط الإيراني هو السائد، وفي نهاية المطاف في الدول العربية نفسها في نيجيريا وتركيا وباكستان ومالي وإندونيسيا وبنغلاديش.

يمكن إنشاء فلسطين جديدة ذات سيادة. ولكن فقط بعيداً عن فلسطين القديمة.

من الواضح أن ثمة عقبات مالية ولوجستية وعاطفية هائلة تحول دون رحيل أعداد كبيرة من الناس وبناء وطن فلسطيني جديد في مكان آخر.

ولكنه سيكون أقل بكثير – أي بكثير – من بناء دولة فلسطينية جديدة وسط الأنقاض والدمار (— ومن سيموّه كهذا؟)، في من يعيش بعد الخروج فالخروج في مخيمات غزة لعقود من الزمن في المنظور، ويعيش ٣ ملايين فلسطيني في الضفة الغربية التي يتصاعد ما تشهده من نزاعات مالية فلسطينية.

وسيسالون جميعاً تحت التهديد المستمر. وليس من إسرائيل وحدها، وإنما أيضاً من حركة حماس التي تمولها إيران، التي لا تهدف لخدمة الشعب الفلسطيني، وإنما للاستمرار في مثارة المتابعين في المشاحنات الداخلية.

وأخيراً، ما الذي تريده الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى؟ ويبدو أن معنم زعماء العالم عاجزون عن التعلم من التاريخ، حيث يسعون للوصول إلى هدنة بشأن ما يُطلق عليه «حل الدولتين المتجاورتين»، من خلال إقناع إسرائيل بالتنازل عن الأراضي التي تسيطر عليها حالياً بغرض إنشاء دولة معادية ذات سيادة بجوارها – منطقة ترمي بجذورها في الأعماق.

الخطط المقترحة

الخطة (أ): تُخصص المملكة العربية السعودية ١٠ آلاف كيلومتر مربع، أي ٠.٥٪ من مساحتها البالغة ٢,١٥٠,٠٠٠ كيلومتر مربع، لإنشاء دولة فلسطين الجديدة ذات السيادة، إلى جانب تمويل مُعتبر.

ويبلغ طول ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية ١٨٠٠ كيلومتر؛ فإذا خُصصت قطعة أرض بطول ٢٠٠ كيلومتر (من طول الساحل) × عرض ٥٠ كيلومتراً (إلى الداخل) فلن تخلق أزمة كبيرة.

(فساحل غزة يبلغ بالكاد ٤٠ كيلومتراً فقط، والضفة الغربية منطقة غير ساحلية في معظمها، أما نهر الأردن فهو مجرد ودول طويل خدود أجداً.)

وإذا وُزع ٥ ملايين فلسطيني في ١٠,٠٠٠ كيلومتر مربع، فستبلغ الكثافة السكانية ٥٠٠ فرد لكل كيلومتر مربع، وهي مماثلة للكثافة السكانية في إسرائيل، وهي أفضل عشر مرات من كثافة السكان في غزة التي تصل إلى ٥,٥٠٠ شخص لكل كيلومتر مربع.

ومهما كان المبلغ الذي تُسهم به المملكة العربية السعودية في البنية التحتية والتنمية فتجرد تأكد إقامة دولة فلسطين الجديدة ذات السيادة بدرجة معقولة، فسيتسارع نحو تمويل المزيد من التنمية – وهذا يتضمن الدول الأخرى الغنية بالنفط وبروناي واليابان والصين وسنغافورة والاتحاد الأوروبي.

ومن شأن الخطة (أ) أن تضمن للمملكة العربية السعودية مكانة ونفوذاً عالمياً أكبر من كل مخططاتها على مستوى الرياضة ومُدن المستقبل المُقامة في الصحراء. وستُحل المشكلة الفلسطينية بتكلفة زهيدة ويُعاش شهم.

ولكن دعونا نفترض أن السعوديين ببساطة لن يتنازلوا عن الأراضي؟

تعد الخطة (ب) بالتناوب: مصر: سواء بمشاركة المملكة العربية السعودية أو دون مشاركتها، ستشتري الدول العربية الأخرى الغنية بالنفط ١٠ آلاف كيلومتر مربع (ما يمثل ١٪ فقط من مساحة مصر)، وستوفر الأموال اللازمة من أجل البنية التحتية وخلافه.

وتتكبد مصر ديوناً خارجية تبلغ ١٦٥ مليار دولار فضلاً عن اقتصادها المتحسر. وقد تغريها صفقة تستطيع من خلالها سداد جزء من ديونها وانعاش دخلها من السياحة وقناة السويس.

أما بالنسبة للدول العربية الغنية بالنفط، فيُعد هذا استثماراً لشرعيتها العرقية والثقافية – خاصة في مواجهة إيران المتجهة للمجتمع العربي، والتي عكفت على تمويل وتأجيج الكثير من أزمات في المنطقة.

فهل سيتنازلون عن ٥٪ من ثرواتهم المتكدسة (إدارة صناديق التحوط لمعامر سنوات) من أجل السلام وأولاً تخفيف الحالة الضابية والحد من المخاطر القائمة، فضلاً عن سحق المطامح الإيرانية في المنطقة؟ بالتأكيد سيفعلون ذلك. وإذا لم يفعلوه، فمن المؤكد أن هذا سيتكلفهم المزيد على المدى الطويل.

يُزعم مثلاً أن قطر قد أنفقت أكثر من ٢٠٠ مليار دولار لاستضافة بطولة العالم لكرة القدم عام ٢٠٢٢. فهل تستطيع تخصيص ٥٠ مليار دولار أمريكي من أجل قضية أكبر جدارة واستحقاقاً من كل ما يُطلقه؟ وإذا لم تتمكن من فعل ذلك أو لم ترغب في فعله، فما معنى كل ما تطلقه من مناشدات من أجل السلام؟

ومن المؤكد أن أي دولة من الدول العربية، سواء كانت الكويت أو الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية – فيما يبدو – سواء كانت الكويت أو الإمارات ستضخ أموالاً طائلة، فستضطر الدول الأخرى إلى اللحاق بها، وإذا لم يكن انضمامها هذا تضامناً، فعلى الأقل لحفظ ماء الوجه، ولكنهم سيؤثرون الانضمام، من بدلاً من السماح بتدهور مكانتهم في أعين المسلمين في كل مكان، والأمر تقرعه إيران لها.

وأيضاً يمكن للدول العربية البرية أن تتذكر أنها تدين بسيادتها وقولها النفطية إلى قرارات واتخذتها – بالصدفة وعلى عكس مسار الأحداث – الداخليين. فدعونا ننعتها باعتبارها «العناية الإلهية».

فلولا الإنجليز، لبقيت الكويت قبيلة عرقية صغيرة. (بل الواقع هو أن الكويت قد شنت تمرداً لعدة عقود – قبل اكتشاف نفطها – بدلاً من البقاء تحت الحماية البريطانية، من أجل إعادة ضمها إلى العراق الغني بالنفط آنذاك بالفعل!)

ولولا القوى النفط السعودية والإمارات، لما كان توقف أعداء صدام حسين لاعتبارها قبيلة صغيرة مجدداً، وإدراج دولته إلى جيبوت (وأقصدها جميعاً هنا) المنتشرة على الخليج العربي الأمريكي، ولو وصل إلى حدود أخرى.

ومن الحتمة أن تكون تكلفة تلك «العناية الإلهية» في التنعم في هذا الحدث لا تتجاوز نسبة ٥٪ فحسب.

ولكن هيهات أن يحدث ذلك، ولذلك فقد حان الوقت. وقد أطلقت مُبادرات سابقة طُلبت من مصر استيعاب عدد أكبر من المهاجرين، لا للحديث عن أراض ذات السيادة، إلا عن مُخيمات للاجئين.

ولن يحدث الأمر في صورة وعود غامضة تخرج من الولايات المتحدة أو جيرارد كوشين (الشخص المناسب الذي يجب عليه ليُملي على المسلمين ما يتعين عليهم فعله – والذي تحول ليصبح الشخص المناسب ليُملي على المسلمين ما يتعين عليهم فعله دون أن يدرك أحد في واشنطن هذا الأمر؟)، وإنما سيحدث بأموال حقيقية نقداً وعقود، يُجيب من جيوب الأشقاء العرب بأنفسهم.

المواقع المحتملة

ويبدو أن هذا الأمر قد غاب عن الجميع، فيمكن لشمال سيناء (في مصر) أيضاً أن تكون موقعاً لفلسطين الجديدة، فهي ملاصقة لإسرائيل. ولكن الموقع الأكبر المنطقية هو جنوب غرب سيناء، والذي يفصله عن إسرائيل ومصر وهو خليج العقبة، وهي منطقة خالية – فضلاً عن الجوار.

وهي منطقة لا تعود على مصر – كدولة – بالكثير من النفع. فحتى منطقة السياحة الطور الساحلية والجبلية والمساحة المسطحة، والتي لا يتجاوز قاطنوها ٣٠ ألف نسمة فحسب؟

ما هي تكلفة ١٠ آلاف كيلومتر مربع من الأراضي شبه الفارغة التي لا تختلف نسبة إشغالها كثيراً عن ذلك؟ فإذا أخذنا نقطة بداية باعتبارها الأراضي الزراعية في الاتحاد الأوروبي، فستبلغ تكلفة ١٠ آلاف كيلومتر مربع وإلى ١٠ مليارات دولار أمريكي. ولكن هذا هو النطاق التقديري للتكلفة، ويمكننا التفاوض من تلك النقطة، صعوداً أو هبوطاً.

أما إذا لم تتمكن مصر من اتخاذ قرارها بسرعة كافية، فالخطة (ج) هي الأردن.

وينطوي هذا الخيار على بيع بسيط، ولكن قد يسهل التفاوض بشأنه. تتألف الأردن من ٨٩ ألف كيلومتر مربع؛ ولا تتجاوز ديونها سوى ٤٠ مليار دولار أمريكي فقط؛ ولها نفس الناتج المحلي الإجمالي / نصيب الفرد مثل مصر؛ ويقودها ملك ولي العهد مُقرر تلقى تعليمه في المملكة المتحدة؛ متزوج من امرأة سعودية لها علاقات بالعائلة المالكة.

إن المنطقة الجافة (النتوء) في شمال شرق الأردن حيث يبلغ عدد سكانها ١٥ ألف نسمة فقط، لكنها تكاد تكون غير مأهولة في منطقة قيسة لساحلها.

وقد خُصصت تلك المنطقة الجافة بأكملها لشرق الأردن في عامي ١٩٢١ و ١٩٢٢ لا لشيء سوى السماح بخط أنابيب النفط العراقي عبر الأراضي التي تسيطر عليها بريطانيا إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد أغلق خط الأنابيب هذا عام ١٩٤٨ منذ فترة طويلة، ولم يفعل الأردن على الإطلاق شيئاً بتلك المنطقة الجافة الآن، وبالتالي فإن الأساس المنطقي لتلك المنطقة الجافة كان موضوع نقاش.

وتمر هذه المنطقة الجافة بأمطار متقطعة، تبلغ ١٥٠ ملم فقط سنوياً، ولكن يمكن تجميع الأمطار وتوجيهها على غرار الصحراء، وهو ما يتفوق على الوضع في الضفة الغربية، التي لا تشهد أمطاراً على الإطلاق، أو الوضع في غزة التي تبلغ طول أمطارها ٣٠٠ ملم سنوياً ولكن لا يُمكن جمعها بكفاءة.

كما أن هناك تقنيات ناشئة لاستخراج المياه من الهواء بكفاءة نظراً لنسبة الرطوبة التي لا تقل عن ٣٠٪ (والرطوبة المعتادة في الأردن تتراوح بين ٣٠ و ٤٠٪).

وتتمتع المنطقة بدرجات حرارة شتية استوائية لطيفة (تشبه سكوتسديل دير)، كما تتمتع بحماية أفضل بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر (بارتفاع يزيد عن ٦٠٠ متر مقابل ١٤ متراً فقط في غزة).

ومن خلال التنمية الذكية التي تُراعي البيئة، يمكن أن تقع فلسطين الجديدة المثالية التي تبلغ مساحتها ١٠ آلاف كيلومتر مربع في أحد أركان الأردن.

الخطة (د): شمال إفريقيا – في ضوء الحوافز المناسبة المصممة حسب ظروف كل بلد، ولكنها تضم ستة بلدان أخرى يمكن تصور إقامة فلسطين الجديدة عليها. لا شك أن هذه التبادلات لا تخلو من المشكلات، ولكن كانت هناك محاولات للتوصل إلى صفقة عملية في مكان ما بينها التي يُمكن إقامة فلسطين الجديدة بينها.

وفي هذا الحفل، فإنها لم ترد على الحسناء الوحيدة، أو الحسناء الوجهة المنشودة – في السابق – كانت مصر الوجهة المنشودة بالرفض والمقاومة.

ولكن بفضل الخطط (أ) و (ب) و (ج) و (د) (المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والصحراء الغربية والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان)، صار بالحفل تسع سنوات، ويتوجب اختيار واحدة فقط منها لأداء الرقصة.

وهنا نجد ظروفاً وافرة في إقناع أياً من تلك الدول بأخذ دور التطولة في هذا الحدث. ستُبرهن الدول العربية على صدق رغبتها المُعلنة في إرساء السلام، وفي حل الدولتين المتباعدتين. وستكسب هيبتها. وتُحطاد بحجر، بتكلفة لا تُذكر بالنسبة للدول الغنية بالنفط وطموحات إيران.

وستحنى من بقية العالم بوقف إطلاق النار على المدى الطويل، مع وضع تفاصيل الخطة والشروع في تنفيذها. وستصبح مهمة شاقة، لكن العالم سيكون على قدر هذه المهمة.

ربما لن يُقدموا أيدي الدعم لقضية بائسة ويائس منها مثل غزة، نخبة الشخصيات والشركات العالمية، في كل مجاله، لكنهم في نفس الوقت سيفضخون أموالهم وعبقريتهم وطاقتهم إذا كان ذلك تحت عنوان «فلسطين الجديدة».

وسيُعد هذا انتصاراً كاملاً للعالم، وخطة أفضل بكثير من تقديم المزيد من الوعود الكاذبة للفلسطينيين — «سنأنشأ لكم دولة فلسطينية منزهرة بمستقبل باهر – مستقلة بجوار إسرائيل».

أما القوى الغربية فستتمكن من نزع فتيل الاستقطاب بين بين الناخبين الدعم الرسمي الحكومي لإسرائيل وبين وبين تحقيق نتيجة شديدة الإيجابية لصالح الشعب الفلسطيني.

وستمثل هذه الخطة فوزاً لإسرائيل بنسبة ٩٠٪ (وبشكل مؤكد تماماً)، فتنازلاتها الوحيدة ستتمثل في بعض التعاطف العالمي وكذلك بالالتزام بدفع تعويضات الحرب (والتي كانت ستُسدد في نهاية المطاف من خلال خطط السيد / كوشين لتنمية الواجهة البحرية بغزة).

أما الشعب الفلسطيني فسيتعين عليهم أن يُقدموا ما يعتبره البعض منهم تنازلاً هائلاً – وهو الابتعاد عن وطنهم.

لكن هذا القرار قد اتخذه ملايين الفلسطينيين (ممن انتهى بهم المطاف في الأردن وسوريا وشيلي والأماكن الأخرى الكثيرة)، وربما يُقدم الكثير منهم على فعل الأمر نفسه، إذا ما توافر لهم مكان للرحيل إليه.

فإن، بالمقارنة بالعيش في المخيمات أو تحت الحكم الإسرائيلي، لن يبدو الانتقال إلى الوطن الجديد خياراً قاتماً للغاية.

وإذا تمكن بضع مئات الآلاف من الفلسطينيين من تجاوز هذه العقبة، فسيفوزون أيضاً بنسبة ٩٠٪ – وكل ما في الأمر أنها لن تكون داخل فلسطين الأصلية، ومساحة للعيش ومكان وبنية تحتية جديدة ودولة فلسطين الجديدة ذات السيادة.

إن بنيناها، فسيقدمون إليها.

على النقيض من فلسفة «إشقاؤه وإفقار الجار» التي يتبناها بعض صانعي الصفقات المحتلين، فإن هذا هو «فن إبرام الصفقات» الحقيقي، ويُمثل انتصاراً حقيقياً للجميع؛ لإسرائيل وفلسطين والعالم العربي، بل وللعالم أجمع.

الجزء (4) من (4): الخلاصة والاعتراضات والتفنيدات

يحظى حل الدولتين المتجاورتين بدعم معنم دول العالم، نظراً لما تشهده فلسطين من ذبائح مستمرة.

وهم مخطئون جميعاً في هذا الحل.

سيمنح حل الدولتين الفلسطينيين أن «السيادة»، ولكنهم في نفس الوقت سيعيشون في بؤس اقتصادي وعلى الأنقاض والقصف، يتملسون المساعدات الخارجية ويقدمون العمالة الرخيصة لإسرائيل. فمثل هذه «السيادة» لن تكون سوى خدعة!

أما إسرائيل فسيُطلب منها في هذا الحل أن تتنازل عن الأراضي لتُقام عليها دولة شديدة العداء بجوارها مباشرة، وجاهزة لإعادة تسليحها من قبل إيران. فكرة محكوم عليها بالفشل!

فهي فكرة خادعة من ناحية، ومن الناحية الأخرى لا أمل في نجاحها. ألا يُدرك أحد هذا الأمر؟

إن المحاولات التي أُجريت منذ عام ١٩٤٨ لحل المسألة الفلسطينية حلاً دائماً قد باءت جميعاً بالفشل. كل تلك المحاولات، إن اعتبرت فلسطين صراعاً صفرياً على منطقة محدودة، لا بد أن تنتهي إلى غالب ومغلوب. وقد حان الآن الوقت لإعطاء رأي خارجي يقترح الحل الواضح للخروج المشترك دون غالب ومغلوب.

فالصفقة الماهرة تمنح كل جانب ما يريده بشدة، مقابل أقل قدر ممكن من التكاليف بالنسبة له.

حدود آمنة لا يمكن الإنفاق تحتها؟

فما الأكبر ما تريده إسرائيل؟ ومن المؤكد أن ما تريده ليس «دولة مستقلة بجوار إسرائيل بحيث تستمر الحرب على الإطلاق». بل يريد الفلسطينون بالطبع ما يريده معنمنا: الأمان والرفاهية المادية والأمل.

وماذا عن عوام الفلسطينيين؟ بالطبع لا يريدون «دولة مستقلة بجوار إسرائيل بحيث تستمر الحرب». بل يريد الفلسطينيون ما يريده معنمنا: فرصة للعيش بكرامة وأمن، بعد والالتقاء بالأمل في المستقبل.

ما الذي تريده الدول العربية؟ نهاية دائمة لمشكلة فلسطين والحروب المستمرة منذ ٧٥ عاماً؛ وما يريدونه هو تعزيز مكانتهم على المشهد العالمي؛ وما يريدونه هو عرقلة طموحات إيران نحو قيادة العالم الإسلامي؛ وما يريدونه هو مصالحهم الاقتصادية.

وأخيراً، ما الذي تريده الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى؟ على الرغم من أن قطاعات كبيرة من ناخبيهم يتعاطفون مع الفلسطينيين في غزة ويعتقدون أن الحرب غير أخلاقية، إن لم تكن إبادة جماعية، إلا أن بلادهم تتحالف رسمياً مع إسرائيل.

ولقد تهاونت إدارات في واشنطن ولندن بربط فينيامين. ومن الممكن أن تؤدي الاحتجاجات المتصاعدة بالإطاحة في الإدارات الحاكمة في واشنطن ولندن، ويهدد بالحرب في فلسطين.

ولذلك تحتاج القوى الغربية إلى نهاية سريعة للحرب، وليس مجرد هدنة، وإنما حلاً طويل الأمد يتحقق فيه مصلحة جميع الأطراف بوضوح، ويُشدد على السواء الناخبين المؤيدين لإسرائيل والآخرين المؤيدين للفلسطينيين.

فهل تُحقق صفقة رابحة للأطراف الأربعة جميعاً؟

إن الحل الواضح للخروج المشترك دون غالب ومغلوب ليس في حل الدولتين المتجاورتين، بل في حل الدولتين المتباعدتين.

وها هي الصفقة: تنشئ (ولنقل) الدول العربية الغنية بالنفط صندوقاً بقيمة ٢٠٠ مليار دولار أمريكي للاستحواذ على الأراضي وتطويرها وتنميتها. قد يبدو هذا مبلغاً مهولاً بالنسبة للشخص العادي، ولكنه ليس كبيراً بالنسبة لدول تمتلك ٤ تريليونات دولار.

تُشترى مساحة ١٠ آلاف كيلومتر مربع (بما يعادي مجتمعتين غزة والضفة الغربية مجتمعتين) في مكان ما بعيد عن إسرائيل لإقامة دولة فلسطين الجديدة ذات السيادة.

يمكن للمملكة العربية السعودية ببساطة أن تتبرع بجزء من ساحلها على البحر الأحمر، لدوافع إنسانية. أما بالنسبة للبدائل: جنوب غرب سيناء في مصر، التي تعزلها الجوار (خليج العقبة) للاستحواذ مقابل مبالغ نقدية.

أما السيناريو الآخر فهو المنطقة الجافة في شمال شرق الأردن، التي لم تُستخدم منذ عام ١٩٢٢ واستحوذت عليها المملكة الأردنية الهاشمية بالمجان نادراً.

وثمة ست دول أخرى في شمال إفريقيا قد تتوافر لديها قطع أراضٍ وقد تفكر في مقايضتها مقابل الأموال، في ضوء الحوافز المناسبة المصممة حسب ظروف كل بلد.

ومع وجود تسعة مصادر محتملة للمواقع والحاجة إلى موقع واحد فقط، فمن المحتمل أن تتقدم دولة واحدة لأداء دور التطولة في هذا الحدث.

في السابق، كانت مصر الوجهة الوحيدة المنشودة، أو الحسناء الوحيدة، في هذا الحفل، فإنها لم ترد على إلحاح جيرارد كوشين سوى بالرفض والمقاومة.

ولكن بفضل الخطط (أ) و (ب) و (ج) و (د) (المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والصحراء الغربية والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان)، صار بالحفل تسع سنوات، ويتوجب اختيار واحدة فقط منها لأداء الرقصة.

وهنا نجد ظروفاً وافرة في إقناع أياً من تلك الدول بأخذ دور التطولة في هذا الحدث. ستُبرهن الدول العربية على صدق رغبتها المُعلنة في إرساء السلام، وفي حل الدولتين المتباعدتين. وستكسب هيبتها. وتُحطى بحجر واحد على عصفورين، بتكلفة لا تُذكر بالنسبة للدول الغنية بالنفط ومن طموحات إيران.

وستحنى بقية العالم بوقف إطلاق النار على المدى الطويل، مع وضع تفاصيل الخطة والشروع في تنفيذها. وستصبح مهمة شاقة، لكن العالم سيكون على قدر هذه المهمة.

ربما لن يُقدموا أيدي الدعم لقضية بائسة ويائس منها مثل غزة، في كل مجاله، نخبة الشخصيات والشركات العالمية، لكنهم في نفس الوقت سيفضخون أموالهم وعبقريتهم وطاقتهم إذا كان ذلك تحت عنوان «فلسطين الجديدة».

وسيُعد هذا انتصاراً كاملاً للعالم، وخطة أفضل بكثير من تقديم المزيد من الوعود الكاذبة للفلسطينيين — «سنأنشأ لكم دولة فلسطينية مزدهرة بمستقبل باهر – مستقلة بجوار إسرائيل».

أما القوى الغربية فستتمكن من نزع فتيل الاستقطاب بين بالناخبين بين الدعم الرسمي الحكومي لإسرائيل وبين تحقيق نتيجة شديدة الإيجابية لصالح الشعب الفلسطيني.

وستمثل هذه الخطة فوزاً لإسرائيل بنسبة ٩٠٪ (وبشكل مؤكد تماماً)، فتنازلاتها الوحيدة ستتمثل في بعض التعاطف العالمي، وكذلك بالالتزام بدفع تعويضات الحرب (والتي كانت ستُسدد في نهاية المطاف من خلال خطط السيد / كوشين لتنمية الواجهة البحرية بغزة).

أما الشعب الفلسطيني فسيتعين عليهم أن يُقدموا ما يعتبره البعض منهم تنازلاً هائلاً، وهو الابتعاد عن وطنهم. لكن هذا القرار قد اتخذه ملايين الفلسطينيين (ممن انتهى بهم المطاف في الأردن وسوريا وشيلي والعديد من الأماكن الأخرى)، وسيتبعهم الكثير منهم، إذا ما توافر لهم مكان للرحيل إليه.

فإن، بالمقارنة بالعيش في المخيمات أو تحت الحكم الإسرائيلي، لن يبدو الانتقال إلى الوطن الجديد خياراً قاتماً للغاية.

وإذا تمكن بضع مئات الآلاف من الفلسطينيين من تجاوز هذه العقبة، فسيفوزون أيضاً بنسبة ٩٠٪ – بنية تحتية جديدة ومكان ومساحة للعيش ودولة فلسطين الجديدة ذات السيادة، وكل ما في الأمر أنها لن تكون داخل فلسطين الأصلية.

الاعتراضات المتوقعة:

اعتراض جيرارد كوشين بالإصابة بدعوى الجهل: (اعتراض الجاهل برأيه أكثر مما يلجي) أنك – عزيزي الكاتب – لست خبيراً في شؤون الشرق الأوسط. فلا تُدرك مدى عُمق جهلك المركب به.

التفنيد: إن معنم الإنجازات الحقيقية تأتي من الغرباء ذوي الواقعية دون أجندات شخصية للتمسك بها، والقادرة على التفكير المرتب وقناعات «مفضلة» أو «محبتة للنفس». وقد فشل الخبراء في إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية على مدى ٧٥ عاماً.

والحل المطروح مؤخراً (وهو: هيا بنا نتسامح وننسى ما حدث ونبدأ صفحة جديدة من الآن) هو حل سا ذج بوضوح. وكل ما عليك فعله هو أن تسأل: أي منطقة من المناطق الجغرافية الواقعة داخل فلسطين، يجب أن تتحول إلى دولة فلسطين الجديدة ذات السيادة؟ وبمجرد التفكير في العواقب العملية لأي إجابة على ذلك السؤال، ستدرك على الفور مدى سذاجة الحل.

إن الكراهية المتبادلة تصرب بجذورها في الأعماق

وهذا بالضبط السبب وراء الرغبة في فصل الجانبين بعيداً أحدهما عن الآخر.

إن كثيراً من الفلسطينيين متجذرون بأنفسهم في أنهم لن يرحلوا. ليس صحيحاً. لقد غادر الملايين بالفعل بعد الحروب الماضية، وسيتبعهم كثيرون آخرون، لو كان هناك مكان ليتوجهوا إليه. وليست هناك حاجة إلى أغلبية فورية.

في عام ١٩٤٨ كان عدد السكان اليهود في إسرائيل ٨٥٠ ألف نسمة. وكانت مثالاً لقاعدة «إن بنيناها، فسيقدمون إليها». وهو نفس الشعار الذي ستتبعه «فلسطين الجديدة».

أليس هذا طرد الفلسطينيين بدلاً من طرد اليهود؟ ليس طرداً، وإنما حافزاً. لا يمكننا التفكير في أي حافز يُقنع الإسرائيليين بالرحيل، في نفس الوقت نجد أن فلسطين الجديدة ذات السيادة، إذا أُقيمت في موقع لائق، من شأنها أن تجتذب قطعاً العديد من الفلسطينيين. لأن الأمل في تحقيق الأمن والازدهار في المستقبل، بالجدال للأبد حول أرض مأبوبة لا أمل فيها – مهما كانت مبررة حمل الضغينة – أفضل بكثير بالمقارنة من مواصلة الجدال.

ويمكننا أن نُقدم أو نمضي قدماً.

لن تُساهم الدول الغنية بالنفط في ذلك. سيفعلون ذلك، إذا أخذوا بعين الاعتبار الصورة الأكبر للموقف الحالي. وفي السياق، ظهرت الدول العربية على أنها ضحايا "للعدوان الإسرائيلي والتدخل الأجنبي الإنجليزي."

هذه فرصة لكي يُظهروا للعالم أنهم يستطيعون أن يكونوا أبطالاً من بدلاً من أن يكونوا ضحايا، وأن يتخذوا إجراءات حازمة وذات مغزى.

إن ٢٠٠ مليار دولار زهيد، بل إنه أقل مما أنفقته قطر لاستضافة ألعاب الفيفا لعام ٢٠٢٢.

كما أن محاولات التخفيف من محنة الفلسطينيين والحرب المستمرة تكلف أموالاً كان من الأفضل إنفاقها على بناء فلسطين الجديدة في مكان آخر.

وأخيراً، إذا لم تنفق الدول البرية العربية هذه الأموال الآن، فستتكبد المزيد لاحقاً بسبب تزايد نفوذ إيران. والأكثر والأكثر سيتكلف العالم ذلك إذا أصبح التطرف على النمط الإيراني هو السائد في تايلند في نهاية المطاف في الدول العربية نفسها في نيجيريا وتركيا وباكستان ومالي وإندونيسيا وبنغلاديش.

الاعتراضات والردود التفصيلية

اعتراض ١: وإسرائيل لم توافق بعد.

الرد: حتى الآن، لم يُعرَض على إسرائيل أي شيء ذو قيمة مقابل وقف إطلاق النار. بمجرد أن تُمنح فرصة واضحة لتحقيق أهدافها الأمنية وجميع أهدافها المشروعة، سيكون عليها أن توافق، أو ستواجه إدانة العالم بحق على أن حربها هي إبادة جماعية بدلاً من أن تكون دفاعية في نيتها.

اعتراض ٢: حماس لن توافق على ذلك.

الرد: الاتفاق معهم ليس ضرورياً. يمكننا أن نأمل أن معظم أعضاء حماس هم عاقلون وسينظرون إلى "فلسطين الجديدة" على أنها "المهمة المُحقَّقة" بالنسبة لهم. العناصر غير العقلانية قد لا تزال تسبب الاضطرابات من خلال الكمائن أو التفجيرات الانتحارية، لكن هذا الخطر موجود في أي مكان في العالم، بغض النظر عما يُفترض أنه تم الاتفاق عليه، وسيكون أعلى بكثير في نتيجة فرض حل الدولتين بجانب بعضهما. إن "حل الدولتين بعيداً عن بعضهما" يقدم، من حيث المخاطر، أقل احتمال لاستمرار الإرهاب أو الأذى للرهائن.

اعتراض ٣: إن بناء دولة من الصفر أمر مستحيل.

الرد: بغض النظر عن المشاكل المتوقع أن تواجهها أي "فلسطين جديدة في مكان آخر"، فإنها ستكون أسوأ بكثير من إعادة بناء فلسطين وسط الأنقاض. قامت الصين بشكل روتيني ببناء مدن لعشرات الملايين في العقود الماضية. يمكن للولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي، إذا كانوا يميلون إلى ذلك، أن يقوموا بذلك أيضاً. إن أفضل وألمع العقول في مجالاتهم، بدءًا من القانون الدستوري إلى البحث العلمي إلى الهندسة والبناء النموذجي، لن يدعموا قضية يائسة في غزة، لكنهم قد يساهمون بطاقاتهم وعبقريتهم في بناء "فلسطين الجديدة"، طالما أنها في مكان آخر.

اعتراض ٤: إننا نطرد الفلسطينيين بدلاً من طرد اليهود؟ أليس هذا حافزاً للرحيل؟

الرد: ليس هذا طرداً، وإنما حافزاً. لا يمكننا التفكير في أي حافز يُقنع الإسرائيليين بالرحيل، لكننا في نفس الوقت نجد أن فلسطين الجديدة ذات السيادة، إذا أُقيمت في موقع لائق، من شأنها أن تجتذب قطعاً العديد من الفلسطينيين.

لأن الأمل في تحقيق الأمن والازدهار في المستقبل، أفضل بكثير – مهما كانت مبررة – من مواصلة الجدال للأبد حول أرض مأبوبة لا أمل فيها.

اعتراض ٥: كثيرا من الفلسطينيين متجذرون بأنفسهم لن يرحلوا.

الرد: ليس صحيحاً. لقد غادر الملايين بالفعل بعد الحروب الماضية، وسيتبعهم آخرون، لو كان هناك مكان ليتوجهوا إليه. وليست هناك حاجة إلى أغلبية.

في عام ١٩٤٨ كان عدد السكان اليهود في إسرائيل ٨٥٠ ألف نسمة. وكانت مثالاً لقاعدة «إن بنيناها، فسيقدمون إليها». وهو نفس الشعار الذي ستتبعه «فلسطين الجديدة».

اعتراض ٦: الدول الغنية بالنفط لن تُساهم في ذلك.

الرد: سيفعلون ذلك، إذا أخذوا بعين الاعتبار الصورة الأكبر للموقف الحالي.

وفي السياق، ظهرت الدول العربية على أنها ضحايا "للعدوان الإسرائيلي والتدخل الأجنبي الإنجليزي." هذه فرصة لكي يُظهروا للعالم أنهم يستطيعون أن يكونوا أبطالاً من بدلاً من أن يكونوا ضحايا، وأن يتخذوا إجراءات حازمة وذات مغزى.

إن ٢٠٠ مليار دولار زهيد، بل إنه أقل مما أنفقته قطر لاستضافة ألعاب الفيفا لعام ٢٠٢٢. كما أن تكلف محاولات التخفيف من محنة الفلسطينيين والحرب المستمرة أموالاً كان من الأفضل إنفاقها على بناء فلسطين الجديدة في مكان آخر.

وأخيراً، إذا لم تنفق الدول البرية العربية هذه الأموال الآن، فستتكبد المزيد لاحقاً بسبب تزايد نفوذ إيران. والأكثر والأكثر سيتكلف العالم ذلك بشأنه إذا أصبح التطرف على النمط الإيراني هو السائد في تايلند وفي نهاية المطاف في الدول العربية نفسها في نيجيريا وتركيا وباكستان ومالي وإندونيسيا وبنغلاديش.

الخلاصة النهائية

إن حل الدولتين المتجاورتين يحظى بدعم جميع دول العالم تقريباً. وهم مخطئون جميعاً في هذا الحل.

على مدى ٧٥ عاماً، ظلت صياغة خطط السلام المُتصورة لفلسطين على رجال الدولة و«الخبراء» العاجزين عن رؤية البديهيات، ولا يتورعون عن مطالبة الجانبين بتنازلات كبيرة تتعارض مع المصلحة الذاتية لكل طرف، سجناء تقيدهم خبراتهم وتخصصاتهم. وسيعترض كثيرون منهم بمنطق خادع وحقائق محرفة.

لكن الحقيقة الدامغة، التي لا يستطيعون تحريفها، هي النتائج السلبية لحلولهم السابقة التي باءت بالفشل التام والكامل على المدى الطويل.

وفي نفس الوقت، فإن الحل الحالي («هيا بنا نتسامح وننسى ما حدث ونبدأ صفحة جديدة من الآن») هو ببساطة حل ساذج، إن لم يكن شديد الغباء.

وكل ما عليك فعله هو أن تسأل: أي من المناطق الجغرافية الواقعة داخل فلسطين الحالية، يجب أن تتحول إلى دولة فلسطين الجديدة ذات السيادة؟ وبمجرد التفكير في العواقب العملية لأي إجابة على ذلك السؤال، ستدرك على الفور مدى سذاجة الحل.

لقد آن الوقت لإنهاء المشكلة الفلسطينية – للخروج المشترك دون غالب ومغلوب – من خلال حل الدولتين المتباعدتين.

إن بنيناها، فسيقدمون إليها.

تحديث يونيو 2025

اعتبارًا من يونيو 2025، استمرت حرب غزة لما يقرب من عامين حتى الآن. الفلسطينيون يموتون يوميًا بسبب القصف، ونقص الرعاية الطبية، والمجاعة الصريحة. وكما تم التنبؤ به في الإصدارات السابقة من هذه الورقة البيضاء، فإن العالم يقترب تدريجيًا من صراع أوسع قد يقلب النظام العالمي رأسًا على عقب. أما الجبهة الجديدة التي فُتحت مؤخرًا ضد إيران، فقد زادت الأمور تعقيدًا، من خلال تقسيم تعاطف بقية العالم الإسلامي.

يميل بقية العالم إلى نسيان أن الحضارة الإيرانية تمتد لستة آلاف عام، وهي تفخر بذلك، مقارنةً ببضع مئات من السنين أو أقل لأي قوة أخرى في المنطقة. إذا نجح النظام الإيراني المتشدد في البقاء، فإن الأصولية ستنتشر إلى دول أخرى. وإذا طوّر قنبلة نووية واحدة منخفضة القدرة، فليس سوى مسألة وقت قبل أن يستخدمها، خشية أن تُدمّر في ضربة مستقبلية من الولايات المتحدة أو إسرائيل. أما إذا لم ينجُ النظام الحالي، فإن الفراغ في السلطة سيُملأ بطرق لا يمكن التنبؤ بها.

إذا أريد تجنب تصاعد العنف في العالم، فعلى صانعي القرار أن يحلّوا القضية الفلسطينية بشكل نهائي. لقد وضّحت هذه الورقة البيضاء كيفية القيام بذلك، مع إعطاء جميع الأطراف الأربعة ما يحتاجونه بالضبط، وبتكاليف يمكنهم تحمّلها.

إن بنينا فلسطين الجديدة، فسيقدمون إليها.

للمزيد من المعلومات

الكتابُ الأبيض: حلُّ الخروج المشترك من الأزمة الفلسطينيَّة

بقلم: ج. مانويل غونزاليس.

© 2025 The Non-Zero-Sum Solution to the Palestine Crisis. All rights reserved. Design and development by Leox.